الشراكة مع الخوذ البيضاء

يبدو الأمر غريباً الآن، ولكن كان هناك وقت لم تكن فيه منظمة الخوذ البيضاء معروفة كثيراً خارج سوريا. في عام 2014، كنا متحمسين لحشد الرأي العام العالمي ضد الحرب الجوية التي يشنها النظام وروسيا ضد المدنيين السوريين، إذ كان حجم القصف والاستهداف المباشر للمدنيين أموراً صادمة. كانت الصور مروّعة لدرجة أن الناس كانوا يشيحون بنظرهم بعيداً، ولا يمكنهم الشعور بتجارب المدنيين على الأرض. وسادت رواية في وسائل الإعلام، مفادها أنه لم يكن هناك «أشخاص صالحون» في سوريا، وأن الحرب كانت بين النظام والإرهابيين والإسلاميين، ما يجعل من التدخل أمراً مستحيلاً.

وركزت حملة الخوذ البيضاء بشكل أساسي على رواية الحقائق، وشرح ما يجري على أرض الواقع. بدأنا نلاحظ ظهور صور لشبان يحملون أطفالاً مصابين بعيداً عن الأنقاض في المناطق التي تم قصفها. كان هؤلاء المتطوعون الشجعان جزءاً من مجموعة تُعرف باسم الدفاع المدني السوري (حتى يومنا هذا، يُعرفون بهذا الاسم إلى جانب الخوذ البيضاء). وبعد الاتصال والتحدث مع الدفاع المدني السوري، قررنا معاً أنه عبر التعريف بعملهم البطولي، يمكننا زيادة الوعي بالغارات الجوية المستمرة وأثر القصف على سوريا.

كان أول ما فعلناه، وحسم قدرتنا على سرد قصة الخوذ البيضاء بشكل فعال، هو وجودنا مع العشرات من المتطوعين في المنظمة لمدة أسبوع أثناء تدريبهم في تركيا. وقد ساعدَنا ذلك في التعرف على الخوذ البيضاء كأفراد وسماع قصص عمليات الإنقاذ التي قاموا بها بشكل مباشر. أثر ذلك الوقت الذي قضيناه سوياً كان أكبر بكثير من تأثير المقابلات عن بُعد، والتي يمكن أن تكون أكثر رسمية وتجعل من الصعب على الناس أن يفتحوا قلوبهم.

الإبداع

تمحورت الحملة الأولية حول أركان رئيسية ثلاثة، أولها الإبداع. وقد نشرنا ثلاثة مقاطع فيديو، بما في ذلك مقطع the Miracle Baby، الذي أجرينا فيه مقابلة مع أحد المتطوعين الموجودين لإنقاذه طفلاً، وقد انتشر على نطاق واسع. ونشرنا أيضاً صوراً ملهمة من وسائل التواصل الاجتماعي مع حروف بيضاء كبيرة تدل على تفاني وتصميم الخوذ البيضاء، على سبيل المثال: «لا أيام إجازة».

الدعم الشعبي

وأما الركن الثاني فكان الدعم الشعبي. فقد أردنا تغيير الشعور بعدم التمكين الذي عانى الناس منه، ومنحهم إجراءً فعالاً يمكنهم القيام به للوقوف مع المدنيين في سوريا. أطلقنا عريضة على موقع إلكتروني جديد للخوذ البيضاء، موجهة إلى الحكومات المانحة لزيادة الدعم للمجموعة حتى يتمكنوا من الحصول على جميع المعدات اللازمة لإنقاذ الأرواح من تحت الأنقاض. وأمكن للأشخاص في أي مكان التوقيع على هذه العريضة كشكل من أشكال الدعم للخوذ البيضاء.

يُعد طلب التحرك جزءاً أساسياً من أي حملة. ويتوجب أن يشعر الداعمون بمنطقية ما يُطلب منهم القيام به، وبوجود تصور نظري حول كيفية تأثير تصرفاتهم.

وسائل الإعلام

تمحور الركن الثالث حول وسائل الإعلام. وإذ أصبح اسم الخوذ البيضاء مألوفاً الآن، إلا أن الحال لم يكن كذلك في أيامهم الأولى. وعلى الرغم من تلهّفنا لتعريف العالم بهؤلاء الأبطال ودعمهم، إلا أن وسائل الإعلام والوعي الجماهيري الذي تم بناؤه تدريجياً بمرور الوقت، يعد جزءاً لا يتجزأ من الحملة. قابلنا الصحفيين، وحاولنا، كلما أمكن، التأكد من حصولهم على فرصة لحضور التدريبات والجلوس مع هؤلاء الأبطال وجهاً لوجه.

وفي مقال بعنوان «تعرف على الأشخاص الأكثر شجاعة في سوريا»، كتب صحفي من هافينغتون بوست: «عبر الذهاب حيث لا أحد يذهب، أكثر من 1,000 شخص في مجموعة يبعثون الأمل في حالات ميؤوس منها لولاهم». وأضاف صحفي من FairPlanet: «هؤلاء الشبان يتوجهون كل يوم لإنقاذ الأرواح، مدركين تماماً أن المزيد من القنابل قد تسقط على الموقع نفسه».

في نهاية المطاف، اشتهرت الحملة، ورأينا قدراً هائلاً من الدعم الشعبي للخوذ البيضاء، كما اتضح من التبرعات. إذ تبرع الآلاف من الناس من جميع أنحاء العالم للخوذ البيضاء منذ عام 2014.

كانت الشراكة والاستثمار من أهم أسباب نجاح هذه الحملة. إذ تم تصميم جميع أنشطة الحملة والمحتوى بالشراكة مع الخوذ البيضاء واستجابة لاحتياجاتهم. وقد قضينا سنوات في هذا العمل الذي يستمر حتى يومنا هذا.

«هؤلاء الشبان يتوجهون كل يوم لإنقاذ الأرواح، مدركين تماماً أن المزيد من القنابل قد تسقط على الموقع نفسه»

ما تعلمناه

قصص الأبطال مؤثرة بشكل خاص، وتسمح للناس بالتواصل مع قضيتك. من الأهمية بمكان بعد أن تروي قصة ما، أن تقدم للناس إجراءً يمكنهم القيام به حتى يشعروا بالتمكين بدلاً من الضعف.